سني بروحي....

سني بروحي
د. فدوى سلامة أبو مريفة

تختلف ردود أفعالنا كبشر تجاه أسئلة كثيرة تطرح علينا، ولكن ردة فعل واحدة نتفق عليها تجاه السؤال كم عمرك؟.. فما أن يطرق هذا السؤال مسامعنا إلا ونقابله بالتجهم أو الامتعاض أو الضيق، ويرتفع مؤشر الغضب لدى النساء أكثر منه لدى الرجال وإن كنا نعيش اليوم في عصر أصبح الرجل فيه لا يرغب في الإفصاح عن عمره للآخرين، فهناك الكثير من يخشى أن يذكر عمره الحقيقي ويتحاشى الحديث عن أحداث تشير إلى عمره الحقيقي والبعض يلجأ إلى حذف بعض السنوات من رصيده العمري، حيث يلعب العامل النفسي دوره في هذا السلوك لإحساس الإنسان بأن عصر الشباب والقوة قد انقضى، رغم أنه حين يودع قوة الشباب يستقبل حكمة الشيوخ. ينقضي عمرنا ونحن نفكر كم مضى من العمر ومهما انقضى من عمرنا سنين طويلة إلا أننا نتمسك بطول الأمل دائماً، وحري بنا أن ننظر لعمرنا الإنتاجي وليس عمرنا الزمني ولنفكر ماذا قدمنا من أعمال صالحة في حياتنا وهل أعددنا العدة ليوم الحساب لأن ذلك سيعطي الشعور بالرضا عن الذات والراحة النفسية في حياتنا فالصحابي الجليل سعد بن معاذ أسلم وعمره ثلاثون عاماً وتوفي وعمره ستة وثلاثون عاماً، فلنفكر سوياً ماذا قدم هذا الصحابي في الأعوام الستة حتى يهتز لموته عرش الرحمن، وكذلك العالم الرياضي الفرنسي جالوا الذي توفي وعمره واحد وعشرون عاماً وأبهر الرياضيين الذين بذلوا جهوداً مضنية لاكتشاف قانون يحل المعادلات من الدرجة الخامسة، حيث وضع معياراً دقيقاً لمعرفة المعادلات من الدرجة الخامسة فما فوقها والتي يمكن حلها بواسطة معاملاتها وتلك التي يستحيل حلها، منهياً بذلك فترة طويلة وعصيبة في بحث هذا الموضوع، وغير ذلك من أمثلة لعقول مبدعة في مختلف المجالات، ماتت في ريعان شبابها وقدمت للبشرية انجازاً يفوق عمرها الزمني.

واليوم نودع عاماً رحل ليذكرنا بأن رصيدنا العمري قد نقص عاماً، فما هي إلا أيام قلائل ونسدل الستار على السنة الهجرية 1428ه، فماذا ترانا أعددنا للعام الجديد؟ هل فكرنا بسلبيات مررنا بها لنتلافاها في عامنا المقبل؟ هل عرفنا الإيجابيات في حياتنا الماضية حتى نسعى إلى تعزيزها؟ هل فكرنا بالأعمال الخيرة والانجازات التي يجب أن ننفذها في العام المقبل؟ وهل ندرك في هذه الأيام أنه انتهى العام ونحن مازلنا نتمتع بنعم الله التي لا تعد ولا تحصى؟، أعتقد أنه لا بد من جلسة مع النفس لمحاسبتها في نهاية كل عام حتى نستطيع القول في نهاية العام المقبل إننا عشنا عاماً حقيقياً. وقفة مع أبيات للشاعر الصافي النجفي أهديها لكل شاب يعيش عمر الشباب بروح الكهولة وأدعوه للنظر إلى الحياة بعيني وقلب ابن العشرين.

سني بروحي لا بِعدّ سنيني

فلأسخرن غداً من التسعين

عمري إلى السبعين يركض مسرعاً

والروح ثابتة على العشرين